السبت، 17 مايو 2025

الأُسوة الحسنة

 الأُسوة الحسنة 

أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بإخوانه النبيين عليهم الصلاة والسلام فقال سبحانه:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ }. فهذا مما يبينّ أهمية القدوة الحسنة، ووجوب أن تكون بأفضل الخلق وصفوتهم؛ لذلك أمر الله تعالى المؤمنين بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به في أخلاقه, والاهتداء بهديه وإتباع سنته فقال سبحانه:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }. 

قال ابن كثير رحمه الله:" هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله عليه الصلاة والسلام في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أُمر الناس بالتأسي بالنبي يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين؛ ولهذا قال تعالى للذين تضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي: هلّا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟ ولهذا قال تعالى:{لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}".[تفسير القرآن العظيم: ١١/١٤٣،١٣٣ ]

ولا شك أن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يكون بالاعتصام بسنته. كما قال عليه الصلاة والسلام في موعظته البليغة:" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين, عضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمور, فإن كل بدعة ضلالة ". [ أبو داود :٤٦٠٧,والترمذي :٢٦٧٦ , وابن ماجه :٤٣] 

فمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأراد مرافقته والفوز بمجاورته في الجنة؛ فليتخذه أسوة له  وليجعله المثل الأعلى الذي يقتدي به ليحرز الشرف الرفيع.  ويفوز بالفضل العظيم. ولذلك فقد بادر الصحابة رضوان الله عليهم إلى التأسي بنبيهم، فأخذوا عنه شمائله الكريمة، وأخلاقه العظيمة، واهتدوا بهديه في عباداتهم ومعاملاتهم؛ واتخذوه لهم إماماً وقائداً يأتمرون بأمره، وينتهون عما نهاهم عنه. ويعبدون الله وفق ما شرع؛ وذلك لعلمهم أن من اقتدى به صلى الله عليه وسلم فقد سار في السبيل القويم، واهتدى إلى الصراط المستقيم . يقول الله تعالى منوِّهاً بفضل رسوله صلى الله عليه وسلم ودالاً على كمال نُصحه وهديه: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}.

ولكن متى أراد المؤمن أن يكتمل اقتداؤه بالنبي صلى الله عليه وسلم فليطلع على هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته وشمائله وأخلاقه، وعبادته، ويتأسى به ويتبعه في ذلك. حتى يؤدي العبادات كما فرضها الله وشرعها رسوله صلى الله عليه وسلم . وحينئذٍ يرجى أن يفوز بحسن الأسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم .

 فلقد كان من كمال نُصح النبي صلى الله عليه وسلم وحُسن تعليمه لأمته أن بيّن لهم أنه لن يُقبل عمل ما لـم يكن موافقاً لهديه فقال صلى الله عليه وسلم:" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".[ مسلم:١٧١٨]

فعلى المؤمنين كباراً وصغاراً, رجالاً ونساء أن يحرصوا على صدق اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وحسن التأسي به. فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر": أيها الناس" فقالت لماشطتها: لُفّي رأسي. قالت: فقلت فديتك، إنما يقول: "أيها الناس" قالت: ويحك، أو لسنا من الناس. فلفّت رأسها، وقامت في حجرتها، فسمعته يقول: " أيها الناس بينما أنا على الحوض جيء بكم زُمراً، فتفرقت بكم الطرق، فناديتكم: ألا هلموا إلى الطريق، فناداني منادٍ من بعدي فقال: إنهم قد بدّلوا بعدك، فقلت: ألا سحقاً، ألا سحقاً ". [المسند :٢٩٧/٢]. 

فمن أحب أن يرد حوض النبي ويُسقى منه شربةً لا يظمـأ بعدها أبداً فليجعل السنة النبوية حاكمة عليه، فما وافقها أخذ به وما خالفها  أعرض ولم يلتف إليه. 

ثم إن من بركة الأسوة الحسنة ضمان قبول الأعمال التي تصدر عن إخلاص واتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. فيتحقق للمؤمن بهذه الأسوة شرف الرفقة، وعز المجاورة، والرفعة في الدنيا والآخرة, فقد سأله يوماً رجل فقال يا رسول الله: كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم :" المرء مع من أحب".[البخاري: ٦١٦٩, ومسلم ٢٦٤١]. 

بَيْدَ أنه قد يعرض للمسلم ما يصرفه عن هذا الخير, ويحرمه كمال الاهتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك حين يميل إلى ما يزّينه له الشيطان من الضلال، أو ما تراوده به نفسه الأمارة بالسوء من سلوك طريق الجاهلين، لكن اللبيب من يعرف عدوه من صديقه، ويحرص على ما ينفعه فيفعله، ويعلم ما يضره فيجتنبه، ولا ينخدع بزخارف المضلين.

فعلى المؤمن أن يترسم خُطى الهادي الأمين صلى الله عليه وسلم ، ويتخلق بأخلاقه الكريمة، ويهتدي بشمائله، وأفعاله العظيمة. ثم ينظر بعد ذلك إلى هدي الصحابة الكرام فإنهم أكمل الناس اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأحرصهم على الاقتداء به, فقد تمثلوا سنته صلى الله عليه وسلم، حتى أصبحوا هُداةً وأعلاماً يقتدي بهم طالب الحق.

ثم إن الهدى والفلاح مقصور على اتباع سنة الهادي إلى الصراط المستقيم القائل صلى الله عليه وسلم:" خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم..".  

اللهم وفقنا لاتباع سنته والاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأضحية..

                 الأضحية..  أول شأنها كانت فداء لنبي الله إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام.  ثم بفضل الله ورحمته جعلها من بهي...